jeudi 1 novembre 2007

تحررالإنسان من قيود الأديان









مقدّمة




إذا كنتُ سَجينَ عقيدةٍ مُطْـلَـقَـةٍ دهريّـة، و منهجيّةٍ شُمولـيّـةٍ مُحْتَكِرة، تقول لي: إنّما هي الدّار الآخرة و سباق الأسلاف، و ماضي رصيدك الإيماني و ماضي الأسلاف، و حاضر جهادك وجهود الأسلاف، و مستقبل استعبادك في الأرض و قيود الأسلاف، فلا عليّ أنْ أُعرض عمّا سِوايَ و أقوالَ الأسلاف. حاضرُ دُنْـيـَايَ و سعادتي، تطـلُّـعـاتي و أحلامـي، انتصاري لعقلي وحقيقتي على النّاس، وعلى ثوابت النّاس....
لكن إنْ تحرّر عقلي من رِبقة التّقليد الغالب، و تاقت نفسي إلى معرفة الحقيقة و سماع خطاب العقل و إصرار تساؤلاته، فإنّ حديثي المُنقِّب عن تاريخ الأقوام و ضياع الأسلاف، و خِطـابِـيَ الكاشف عن حاضر النّاس و النّاس من حولي، و نظرتي المُستشرِفـة لمستقبل الإنسانيّة، تُسْقَلُ بمطارق العلم وتُستنار بسراج العقل، و يُستدلُّ على الطّريق إلى الحرّية و السّعادة، بحقيقة واحدة: أنّ الحقيقة غيرُ مُطْـلَـقَـةٍ أو ثابـتـة، و البحث عنها هو الحقيقة ذاتُـهـا.

في هذه الدِّراسـة نَعرضُ من تاريخ الأديان مُقـارنـةً، نشأتها و أساطيرها، منطِقُها و أوهامُها، أدلجتَها و تطلُّعَاتها. نتحدّث عن الإديولوجيّة و المبادئ، و عن المصطلحات و الكلمات و المفاهيم و الدَّلالات. أسئلةٌ جِدريّةٌ عن القصد و الهدف هي من محاور هذه الدّراسة، للنّظر في المباني الفكريّـة و التّاريخيّـة للحركة الدّينيّة، و خاصّـة منها الإسلاميّة.

فقضيّـة هذه الدّراسة تتلخّص في كلمتـيـن: ليس هناك سبيل إلى بعث تُراثنا و تجديده إلاّ بإعادة دراسته على ضوء العلم و العقل و المعرفة الإنسانيّة الـمُتراكِمة، لنُغربله و نَفْصِلَ هشيمه عن بذوره. و البحث المُقارَن، مثل علم اللّغة الـمُقارن و الأساطير الـمُقارَنة و الفلسفة الـمُقارَنة و الأديان الـمُقارَنة و القانون الـمُقارَن، هو أحد الأدوات الهامّة التي نُغربل بهـا تُراثنا و نعرف بها وجائشه مع ما جاوره و ما سلفه و ما خلفه. و أوّل الأولويّات فـي كلّ دراسة هو البحث عن الجدور المُشتركة و عناصر التّأثّر و التّأثـير. و ليس هناك ما يدعو إلى الإنزعــاج من البحث عن الـمُؤثّرات الإديولوجية و الأدبيّـة و الفكـريّة في ثقافات الأُمم و مُعتقداتـهم مهـما عَظُمَ شأنُـهم، لأنّ "الـتّـأثّر" شئ، و "الـسّرقـة" شئ آخـر.

أمـاّ بعد الحديث عمّـا يـخترق العقول و يُدجّـنُها و يُقوّضها و يَردمُ فِطرة الشّك و التّسائُل في أُسِّ مبانيها، فهلِ اختراق حُجُب



"الـمحظورات" (الطابوهات) لتجليّة الـحِجاب عـنها و الـتّطلُّع إلى عورتها و عرض حالها و الإستماع إلى أصواتها و إقصاء الأوليّاء من أهلها، أمرٌ مُباحٌ صـراح ؟
أم هي جُـثمـانٌ مُقدّسٌ شـأنُـه أن تُشاد له الأضرحة الـمرمـريّة مُوقَّراً مَـهيبا ؟
أم هي جُثّـةٌ مُحرجةٌ مُنحلّةٌ مُتبرِّجة يليق بـها أن تُـدسَّ في التّراب، فضيحـة يُـعَـفُّ عن إفـصاح سوءاتـهـا ؟
هل من شرط الحديث عن التـُّراث و المقدّسات أن يكون هَـمْساً رقيقاً بين أحبابٍ في وداعة الحُملان ؟ و هل يقدَح الأسلوبُ الفـاضح، و الكلمة الخشنة، في جِدِّية الحديث ؟ أم هل يَـصِحُّ مُروءةً و وفاءً و أمانةً أن نُسدِل أستار التّغاضي و تبادل المجاملات على ماضينا و حاضرنا حتّى لا نُحرِج قوما أو نَجرَح شعورا ؟...
...

إذاً فلا وضوح، إذاً فلا مستقبل إلاّ دَورَانَـنا حول رَحَى المُكَرِّر المخبول.

إنّ الخروج من سراديب التّعتيم الدُّوغْماتي، ومن شعودة السُّدنة الكَهَنُوتيـة المُتَسَلِّطة باسم "الـثّوابـث"، و من جُحُور التّعاطف و التآلُف و التّماهي في الظّلام بين المُعَتِّمين و المشعوذين، يقتضي منّا الوضوح و التّوضيح.

خلّونا من الهالة المُسطَـنَعة حول التُّراث و ثوابته، رُمُوزِه و مُقدّساته، أَوهامِه وخُرافاته، ذلك الصَّريحُ المليح في عين عُشّاقه، المرغوب الـمطلوب عند سُدنة القائمين عليه و المُنتفعين منه، و تعالوا نطرح في صفحات هذا الكتاب أسئلةً تهدف إلى الصِّدق و ترمي إلى الحقيقة، ونتأمّلْ و نحتكم إلى العقل المجرّد. تعالوا ننظُر في حقيقة أنفسنا و عقولنا و لا نستهين بمزاياها و لا نُغْمِطُها حقّها في بلوغ السُّمو.

أيُّ شئ يختفي في عُمْق مَتَارِسِ الأرصدة التّاريخية الدّينية ؟
أيُّ ماضٍ زُيِّفَ، أيُّ حاضر كُـيِّف ؟
أيُّ مُستقبلٍ يقترحه على الإنسانيّة منْ لا يُحِبُّون الكشف عن ماهيّة عقيدتهـم و فِكرِهِـمْ ؟

إنّه من حقّنا أنْ نقول كلمتنا و من حقّ الغير أنْ يقول كلمته فيـما نقول. و من قبلنا كم أُوذي كُتَّـاب و مُفكّرون و علمـاء فيـما كتبـوا و فكّـروا و عَلِـمُوا...اسْـتَـلْـهَمُوا و أَلْـهَـمُوا. فلتَكُـن محكمتُـنا هـي السّاحة الكُبرى، ساحة الـجماهير الكبرى التي لا تُدين النّاس و لاتأخدهم بالشُّبُهات، و لتكـن لنا أُسوةٌ في أساتذتنا الكبار الذين أوذوا في سبيل حرّية الكلمة و من أجل الإصلاح، حين أرادوا تجديد تراث الآباء بإعادة فتح باب الإجتهاد و النّقد، على ضوء المنهج العقلـي و العلـمي.

اقرأ لترى من أيّ مُستنقعٍ إيديولوجي، و وصمة عارٍ على الجبين، و تشردمٍ في المبادئ، ، و انتكاسٍ في الفِطرة، و جهلٍ فارع، و انـحطاط خُلقي، و سفاهةٍ في الحياة، و نكارة في الدّنيا و حقارة يجب أن نستيقظ و نتطهّر و نترفّع و نتعزّز لكي نسمو إلى مستوى الإنسانية.

هذا إذاً هو بيت القصيد.....

لو أنّنا نسينا كلّ ما قيل من كلامٍ مُحْنِقٍ في هذا الموضوع، يبقى أمامنا شئ جديرٌ أنْ يُنظـر فيه: و هو أنَّ المنهج الذي التزمته في هذه الدّراسة عن مُغـامرة الأديان و الغيبيّات بصفة عامّة، و عن "تَـفْـرِيعَـةِ" الإسلام بصفة خاصّة، و هو من أولويّات البحث الـمُقارَن، هو في ذاته مصدرُ إزعاجٍ للمحافظين من العلماء و المشايخ و المُتـديّـنـين، لأنّ معناه هو فتح باب الإجتهاد من جديد في دراسة تُراثنا، و هو ما لا يُطيقه الـمُحافظون، لأنّه جَديرٌ بأن يُزعزع كثيراً من ثوابتنا و مُعتقداتنا الخاطئة عن الـموروث. و هُمْ يَنسَون أنّ الإزدهار الأكبر في الفكر العربـي إنّـما اقترن بفتح باب الإجتهاد و النّقد على مِصراعيه أيّام مجد العرب في الدّولة العربيّة الكبرى خلال القرون الأربعة الأولى، وأنّ انتكاسة العرب بعد الدّولة العبّاسية الثّانية لم تَقترن بتفكّكهم السّياسي فحسب، بل اقترنت بإغلاق باب الإجتهاد و التّعبـيـر مند آل السُّلطان إلى المماليك و الأتراك. فالضّعيف، في ميكانيكيّة الدّفاع عن النّفس، وحده هو الذي يخشى الفكر الحرّ و البحت الحرّ، و يرتعد أمام العلم و العقل و التّجدّد بثوابت الخلق و بالرُّئيا الرّحبة الآفاق، الـمُريحة الـمُنغمسة الكسول. و الضّعيف وحده، في جزعـه على ذاته، هو الذي يخشـى مُحاسبة النّفس و مُسائـلة النّفس، و مُواجة العقل و نقد العقل. و يُـؤْثِـرُ أن يعيش في عالمٍ من أوهـام الـكمال و أماني الإحســان في جنّـة الـمجانيـن.

لن أصطَنِع الأُسلوب الآكاديمي المُحايد "العلمي" المُريح، الـمُـنْـغَـمِس في أحضان العافيّة "الموضوعيّة"، اللّهم إنْ كان سَرْداً تاريخيّا للأحداث و التّواريخ، أو اقتباسا منقولاً و "بدُون تعليق"؛ بل اعتمدت أسلـوباً سَلِساً يرتكز على الشّفـافيّـة، و لـهجةً نقديّـة و ربّما مثيرةً، مع بعض الفُكاهـة من حينٍ لآخر، حيث تُزاحم المأساة فيها الملهاة.

أخـيرا و ليس آخـراً حديـث السّياسـة و موقفـي مـنـها، و هو ما عجزت و عجز النّـاس عن فهمه، لأنّـي لا أكتب في السّياسة ولا سبيل لمعرفـة آرائي فيـها، إلاّ لمن أُوتيَ العلـم اللَّـد ُنِّـي و القُـدرة على التّفتيـش فـي أفئدة النّاس و ضمـائـرهـم. دعونا من الخطاب السّياسي الضّـيقِ الآفاق، القصير النّظر. دعونا منه لحظةً مرّةً، حتى نعلم ماهي الأرضيّـة التي نجلس عليها، و ما هي المباني الفكريّة العَقَديَّـة التي تُحرّك الجماهير، و ما هو السّياق التّاريخـي، و المُؤشّر التّربوي التّلقيني الذي يصوغ تصوّرات الجُموع و الأفراد. و لعّل مُساهمتنا في كشف القناع عن وجه الإديولوجية الـمُقَـنَّـنَـة الـمُشَرْعَـنَـة و عن بيداغوجيتها الـمُمِلَّة الـمُتحجِّـرة يُلقي الضّوء على مسارٍ تاريخيٍّ إديولوجيٍّ جغرافي نحن في سياق مُسائلته.

زيدٌ من النّاس لا يحبّ أن يسمع، فإنِ استمع فالكلمة العقلانيّة و المصطلحات العلميّة و المفاهيم الفلسفيّة في أُذنه أطيافٌ غريبة، وذِكرُ الحرّية في الحديث عن الرّأي و الرّأي الآخـر و النّقد المعرفـيّ مُروقٌ و زندقة.
أمـّا عمرو من النّاس فـالكلمة الـصَّراحة عنده فِسقٌ و تَطـاوُل، و فتنةٌ "لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّـةً".
بعد أن قرّر زيدٌ و عمرو أنّ أمر الدّنيـا و "الآخرة" محـسوم، شُؤونٌ "قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" ثُمّ "َحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً"، إثـارتُها بين يدي دراسةٍ عنوانـها "شـفاء الـصُّـدور من عـذاب الـقبـور".

لقد كان هذا الكتاب يهدف إلى الصّدق و يرمي إلى الحقيقة، ولربّـما جاز للبعض أن يرى في بعض الآراء و الأفـكار رأياً آخـر، غيـر أنّ الـمرجو أن يَـضَعَ في التّـقدير غايـتَنـا و أن يُـدخـل في الـحُكم قـصـدَنـا؛ فإن أصبنـا كبد الـحقيقة فـهـذا هدفُ البحث و غـايـتـه، و لئـن أخطأنـاهــا عفواً فـهذا أُسلوبُ العِلم و نَـهْـجُ التّنقيب، يـصـل إلـى الـصّـواب من خـلال الـمُحـاولـة، و يرقى إلى الـكـمـال من بَـعْـدِ و بُـعْـدِ الـتّجـربة.

دعونا نُلقي حَجَرًا في بركة الماء الرّاكدة، فيقيني أنّ دوائر المياه ستتّسع يوما بعد يوم.مع التّحية و التّقدير لكلّ من يتقبل الرّأي و الرّأي الآخر برحابة صدر
.

4 commentaires:

human a dit…

للاسف ليس الامر سهلا هكذا
لقد حاولت مرة ان اناقش اهلى فى حقيقة معتقداتهم وكانت العواق وخيمة

Anonyme a dit…

هذه النوعية من الكتابات بالفعل هي كمثابة الأحجار التي تحرك المياه الراكدة العفنة في كثير من عقول الشعوب التي أبتلينا بها في منطقتنا و خاصة الشرق العربي

تحياتي لك و إستمتعت بمقالك الشيق و انا في انتظار الجديد يا صديقي الجديد

rai a dit…

في انتظار المزيد من مقالاتك المحركة للمياه الايمانية الراكدة

تحياتي عزيزي

rai a dit…
Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.